اشترك في الخلاصات

الإسلاميون في السُّودان: كسب الدُّنْيا وخسارة الدِّين

كتبها : ismail في

عمر البشير"هم أقرب إلى نهايات أبطال روايات شكسبير التراجيدية، منهم إلى أن يكونوا أُناسًا عاديين، فقد خسروا أنفسهم ولم يكسبوا الدُّنْيا". هكذا يصف الدكتور حيدر إبراهيم علي الإسلامويين في السُّودان ومراجعاتهم الناحبة الباكية، هذا في كتابه الصادر عن دار الحضارة في القاهرة، مراجعات الإسلاميين السُّودانيين. كسب الدُّنْيا وخسارة الدِّين، يصف الدكتور هذه المراجعات بأنها أشبه ما تكون بالنحيب، لحركة تمتعت بعقيدة الاستعلاء، حتى عميت عن النقد الذاتي، ودخلها التعالي وعدم الاحترام للآخرين المختلفين عنهم فكريًا، حتى وقعت في حبائل التجربة، فعرفت أنها تَغْرِفُ مما يغرف منه الناس، وليس لمائها طهارة غير طهر الناس، ليس لها قداسة كما تخال، وليس لرجالها براءة في الزُبر!
عمر البشير

كتاب: مراجعات الإسلاميين السُّودانيين. كسب الدُّنْيا وخسارة الدِّين
المؤلف: الدكتور حيدر إبراهيم علي
سنة النشر : مايو (أيار) 2011
عدد الصفحات: 128
دار الحضارة للنشر- القاهرة

في الفصل الأول تناول الكتاب دوافع واتجاهات النقد والمراجعة في الحركات الإسلامية، فعلى الرغم من حديث الحركة الإسلامية عن مرجعية متعالية مسنودة إلى “المُقدس”، إلا أنّ الواقع أثّر في نشأتها، ولكنها لم تواجه مشكلات حقيقية تستدعي النقد والمراجعة إلا بعد التطبيق، وكان هذا أول الدوافع للنقد والمراجعة “دافع نقد الممارسة”، أما الدافع الثاني فقد كان الموقف من التكفير والعنف، وهو دافع قديم منذ عهد حسن البنا بعد انتشار الاغتيالات، وحاليًا في العصر الحديث بعد تطور الفكر الجهادي، أرّخ الكتاب لبداية المراجعات في التيارات الإسلامية عامة، وتناول النموذج الإخواني المصري، وأشار للمراجعات التونسية ومراجعات الجماعة الإسلامية، كان كل ذلك مقدمة سريعة للمراجعات السُّودانية.

المراجعات السُّودانية:

اتسم كسب الحركة الإسلامية السُّودانية الفكري بالضعف، إذا ما قُورِن بكسبها السّياسي، فكان يأتي الفعل أولا ثم محاولات التبرير له، حتى المفاصلة الشهيرة بين جناح الدكتور الترابي المؤتمر الشعبي وجناح الجنرال عمر البشير المؤتمر الوطني، يرى الدكتور حيدر أنها لم تحدث بسبب خلاف فكري حقيقي بل كان منشأها خلاف تنظيمي. فسّر الكاتب عدم وجود مراجعات إسلامية جماعية في السُّودان بأن الحركة الإسلامية حلت نفسها بعد استلامها للسلطة مباشرة، لذلك جاءت المراجعات فردية ولم يقم بها التنظيم.
مراجعات الإسلاميين السُّودانيين.. كسب الدُّنْيا وخسارة الدِّين
مراجعات الإسلاميين السُّودانيين.. كسب الدُّنْيا وخسارة الدِّين
مرّ الكتاب على مراجعات أهم الشخصيات الفكرية الإسلامية السُّودانية، بدايةً من الدكتور عبدالوهاب الأفندي، صاحب كتاب الثورة والإصلاح السياسي. نقل الكتاب أن الأفندي ملأ مراجعاته بالتبريرات، فبرر الإنقلاب العسكري الذي قامت به الجبهة الإسلامية للاستيلاء على نظام الحكم في 30 يونيو (حزيران) 1989، وأطلق عليه ثورة، ونظّر له على هذا الأساس. وّثق الكاتب نقد الأفندي للفقر الفكري الإسلاموي السُّوداني، مُمَثلاً له بطروحات حل مشكلة الديمقراطية والتمثيل الشعبي، والتعاطي معها بعد استلام السُّلطة، مشيرًا إلى أنّ ما انتهى إليه اجتهادهم باختيار كيان حزبي فضفاض، مِثل حزب المؤتمر الوطني، كان خيارًا يشوبه الكثير من العوار، كما انتَقَد الأفندي السَّطْوة القوية لأجهزة الأمن على الدولة وتحول الدولة إلى دولة أمنية، إلّا أنّ الدكتور حيدر اعتبر هذا النقد متأخرًا جدًا، خاصة أنه جاء بعد سنين طوال.
في مراجعاته أقرّ الأفندي بأن نمو الحركة الإسلامية الكبير الذي أتى عقب مصالحتها لنظام جعفر نميري في 1977 جاء على حساب المبادئ، قيّم الكتاب مراجعة الأفندي بأنها وقعت في فخ الإيديولوجيا، وأصحاب الإيدولوجيا يخرجون من التنظيم ليضفوا على رؤاهم شيئا من الحياد، ولكنهم لا يخرجون منه حقًا، فتبدو كثير من رؤاهم مليئة بالثغرات، و تظهر مراجعاتهم مرتبكة.
مرّ الكتاب أيضًا على مراجعة الدكتور التيجاني عبدالقادر، الأكاديمي الإسلامي المعروف، الذي كتب مراجعته تحت شعار “إن لم يكن لتصويب الأخطاء فليكن لمنع تكرارها”.
يُلقي التيجاني باللوم على ما يسميه “الفتنة” التي بدأت منذ أن تعارضت رؤية “د.الترابي” ورؤية البشير، يُفسر الدكتور حيدر اختيار التيجاني للفتنة شماعةً، لأنها تحمل بُعدًا خارجيًا لا يضع اللوم على عاتق اللاعبين السياسين.
وثّق التيجاني لانقلاب العسكر على د.الترابي، ورأى أنه ظُلِم مرتين، مرة من الخارج الذي لم يتفهم أطروحاته المعتدلة، ومرة أخرى من قبل تلاميذه الذين باعوه. من أهم ملاحظات التيجاني إقراره بأن القبيلة سطت على التنظيم، وهي ملاحظة شدد عليها مؤلف الكتاب.

خيبة وألم

المراجعة الرئيسة الثالثة، كانت عنوانًا للخيبة والشكية والألم، كتبها الأستاذ المحبوب عبدالسلام، الإسلامي القيادي الشاب. بتدفق عاطفي واضح، عبّر عن عدم رضاه على التجربة الإسلامية في السودان، فسجّل ملاحظاته عن تأخر العطاء الفكري في الحركة، مما جعل الحركة رهينة للسجالات السياسية، ومنعها من تفصيل منهجها، وبرنامجها الفكري.
حيدر إبراهيم علي
حيدر إبراهيم علي
أشار المحبوب في مراجعته إلى فساد تجربة الحكم، كما شنّع التجاوزات الأخلاقية التي قامت بها الحركة في الحكم، كما انتقد الأجهزة الأمنية وطغيانها على سلطة الدولة.
مرّ الكتاب أيضًا على مراجعات د.غازي صلاح الدِّين العتباني، المستشار الرئاسي، والقيادي الإسلامي البارز، عدّه من المنشغلين بجانب تبريري، حشد فيه نصوص الفقه التي تسند موقفه الإسلاموي، وقد وفّر غازي في مراجعاته النَقد الحقيقي، مما حدا بالكاتب أن يصف مراجعات العتباني بالخجولة.
وتناول الكاتب مراجعات د.الطيب زين العابدين، وهو قِيَادي منشق عن الحركة الإسلامية السُّودانية، هُمِّش ولم يحظ بدور قيادي حقيقي فيما بعد، تميزت مراجعاته بقدر كبير من النقد، بخاصة بعد أن فَكّ ارتباطه تمامًا بالحركة الإسلامية.
يُقِر زين العابدين بأنّ الحركات الإسلامية في السُّودان وأفغانستان أصابت الناس بخيبات أمل كبيرة جرّاء تطبيقها المشوّه للإسلام، واستغلالها له، ولكنه يُصِر على أن فشل التجربة الأولى لا يعني نهاية المطاف.
تناول الكتاب أيضًا مراجعات الدكتور حسن مكي، الأكاديمي الإسلامي السوداني حيث أشار الكتاب إلى غرائبية منهجه. تنقل بين المراجعات التي لم تكن لها خلفية توثيقية حقيقية، وأهم النصوص التي نقلها وعبر عن المراجعات الكبيرة ومرارة فشل التجربة، كانت للقيادي البارز، ياسين عمر الإمام، الذي نقل عنه قوله “أخجل أن أحدِّث الناس عن الإسلام في المسجد الذي يجاورني، بسبب الظلم والفساد الذي أراه… لا أستطيع أن أقول لأحفادي انضموا للإخوان المسلمين، لأنهم يرون الظلم الواقع على أهلهم، فلذلك الواحد (المرء) بيخجل يدعو زول (شخص) للإسلام في السُّودان أنا غايتو بخجل!”.

في البدايات: الهوية والتحديات

يعتبر الدكتور حيدر أن وجود الحركة الإسلامية السُّودانية لم يكن ضرورة، ولم ينتجه تطور طبيعي في التكوين السُّوداني، بل كان ولادة قيصرية، فالتدين الصوفي الذي يعود إليه شباب اليوم، كان ولا زال الملاذ الذي يؤمِّن الحاجة الروحية للناس، ولم تنشأ الحركة الإسلامية السُّودانية إلا كرد فعلٍ للفكر الشيوعي والفكر القومي، في أوساط النخب الطلابية، بعيدًا عن المجتمع.
زرعت الحركة وهمًا صدقته مفاده أن الإسلام في السُّودان في خطر، واستوردت الأفكار هربًا من هذا الخطر، فكانت الحركة عالة في الفكر على المفكرين المصريين مثل (هيكل، البنا، قطب، الغزالي، القرضاوي) وغيرهم مثل (الندوي، والمودودي)، فلم تكن للحركة جذور محلية، فغالب الفكر السُّوداني صوفي، أو منكف على علم شرعي لا يخوض غمار السياسة، ورعًا وزهدًا، فلم يكن ليخدم التجربة الوليدة، لذلك لم تجد الحركة الإسلامية السُّودانية أول عهدها، ما تَسُدُّ به حاجتها الفكرية من المنتوج السُّوداني، فاستعانت بغيره، وتأخر نتاجها لعقدين وأكثر، فأول انتاج للحركة الإسلامية السُّودانية كان كراسة كتبها د.حسن الترابي في 1967، عن حل الحزب الشيوعي السُّوداني، وهو سن متأخر جدًا، فيما يقدره الكاتب.

في النهايات : رمزية النموذج..فساد التطبيق

الترابي
الترابي
الفصل الثالث من الكتاب كان عن أولويات الحركة، وكان في رأسها تأسيس كيان، وتحديد هويته السياسية الدِّينيّة، وبعدها تغذّى التيار الإسلاموي بصناعة عدو تمثل في الشيوعية، و تطرّق الكتاب للحديث عن التجديد الدِّيني، و تناول العلاقة بين التجديد والعلمنة، ومرّ على المشروع الإسلامي السُّوداني أُسسه ومراميه وعقباته التي واجهها ويواجهها وسيواجهها، كما تناول موقف المشروع الإسلاموي السُّوداني من الدولة المدنية، وهو يرى أن المشروع السُّوداني يرى الدِّيمقراطية مدخلاً للفتنة وللفرقة والشتات، ولازال موقفه من التعددية مرتبكاً، وإيمانه بالمواطنة براغماتي، وأبدى الكاتب شكوكه في صدقية احترام المشروع لحقوق الإنسان.
وفي الخاتمة وصل الكتاب إلى أن الإسلام السِّياسِي يملك البنية الرمزية البديلة فقط ولكنه عاجز عن أن يملأ المشروع الواقعي بهذه الرمزية، وبالرغم من كل هذه الخيبات والثمار المرة فلا زال الأمل في أن يقدم الإسلاميون نقدًا للفكرة لا الأشخاص.

في انتظار المراجعات

بالرغم من وجهة نظر الكاتب الواضحة والمبدئية من التجربة الإسلامية، إلا أنّ ذلك لم يُثقل على النقاط الجوهرية للكتاب، فقد سجّل المثالب الكبيرة، وأهدى العيوب الواضحة، وبيّن النقاط الرئيسة التي يحتاجها الباحث لينقب في المراجعات الإسلامية السُّودانية، ولم تخل كلماته من أسى يطغى على السُّوداني الذي شهد انشطار السُّودان وضياعه، بعد مشروع إسلاموي سوداني، يرى د. حيدر أنه لم يكسب الدُّنْيا وخسر الدِّين!

كارثة إنسانية تهدد حياة الملايين في شمال السودان وجنوبه

كتبها : ismail في

السودان المقسم.. مجاعة وحرب تهددان الملايين  مع اتجاه أنظار الجميع في أنحاء العالم إلى أحداث سوريا والتطورات في دول الربيع العربي، وتداعيات الأزمة الإيرانية، تجري الآن وفي الظل، فصول كارثة إنسانية مسرحها السودان ودولة السودان الجنوبي في غفلة من العالم.. إن آثار تلك المأساة ستكون صاعقة، بل ويمكن أن تصبح في وقت قريب واحدة من أشد الكوارث الإنسانية إيلاما في منطقة الشرق الأوسط، منذ الحرب الأهلية السودانية الثانية عام 2005.
السودان المقسم.. مجاعة وحرب تهددان الملايين
السودان والسودان الجنوبي يترنحان: حرب.. مجاعة.. تدهور بيئي.. نزوح مئات الآلاف من السكان، كلها أسباب قد تقضي على حياة الملايين، كارثة حقيقية من صنع الإنسان، كان يمكن تفاديها، لكنها تشير إلى اخفاق القيادة سواء في الداخل أو في الخارج.
أرقام مفزعة، ففي السودان، تشير تقديرات الأمم المتحدة حاليا إلى أن هناك نحو 4.3 مليون مواطن، أو نحو 14 في المائة من سكان البلاد، في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية الفورية. وفي الجنوب، هناك نحو 21 في المائة من السكان (أو 1.7 مليون نسمة) يتعرضون لمخاطر جمة.

انفجار النزاعات

بعد ست سنوات من السلام النسبي، وتحقيق قدر من التنمية، انفجرت النزاعات على طول الحدود التي تم رسمها بين السودان ودولة السودان الجنوبي في الفترة السابقة، وبعد انفصال الجنوب مباشرة في يوليو (تموز) 2011، وفي مايو (أيار) 2011، تحولت النشاطات العسكرية في منطقة أبيي المتنازع عليها والغنية بالبترول، إلى احتلال عسكري موسع من قبل «القوات المسلحة السودانية» التي تسببت في نزوح ما يقدر بنحو 110 آلاف نسمة من قبائل «الدينكا نقوق» في الجنوب. وبعد ذلك بشهر، شنت «القوات المسلحة السودانية» هجوما على «الجيش الشعبي لتحرير السودان ـ جيش الجنوب» في ولاية كردفان الجنوبية المجاورة. وأسفر ذلك النزاع المستمر حتى الآن عن نزوح نحو 300 ألف نسمة، كما أجبر عشرات الآلاف من السكان على الانتقال إلى المنفى الجنوبي. وفي سبتمبر (أيلول)، اتسعت الجبهة ضد «الجيش الشعبي لتحرير السودان ـ جيش الجنوب» لتشمل ولاية النيل الأزرق، التي تأثر نحو 50 في المائة من سكانها حتى الآن بالنزاع؛ حيث تعرض نحو 66 ألفا إلى النزوح الداخلي، ونحو 87 ألفا إلى الهروب إلى إثيوبيا وجنوب السودان.
كما أن الاضطرابات التي تسود ليبيا حرمت متمردي دارفور من الملاذ الآمن، مما أجبر عددا من ميليشيات حركة «العدالة والمساواة» القوية التسليح على العودة إلى السودان، مما أمد ذلك النزاع بدماء جديدة. ويعد نحو مليونين من مواطني دارفور نازحين داخليا؛ حيث نزح نحو 700 ألف نسمة، بعضهم للمرة الأولى، وبعضهم للمرة الثانية خلال عام 2011.
في جنوب السودان، أسفر النزاع الذي لا تربطه علاقة منطقية بالعداء مع الشمال عن عنف مروع في أنحاء واسعة من البلاد، مما ساعد على الحد من قدرة الآلة الأمنية المحدودة بالفعل، كذلك قدرة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

قتلى ومشردون

وفي ولايتي جونقلي، ووراب، تصاعدت الغارات على المواشي بين جماعات الدينكا، النوير، والمورلي وتحولت إلى نشاط شبه عسكري واسع النطاق، مما أسفر عن مقتل الآلاف وإجبار نحو 150 ألف نسمة على مغادرة منازلهم.
وعلى الرغم من أن سرقة المواشي تعد تقليدا عتيقا في بعض المجتمعات (يمنح الشبان فخرا)، ولكن إساءة المعاملة وتسليح الميليشيات العرقية لتصبح جيوشا صغيرة خلال أعوام الحرب الأهلية ـ بالإضافة إلى تزايد الصراع على الموارد، والتغير المناخي، والإفراط في رعي الماشية في الاراضي الخصبة، جميعها عوامل تضافرت معا وشجعت ذلك المزيج على المذابح وعمليات الانتقام. ويزعم شيوخ قبيلتي النوير، والدينكا حاليا أنهما شكلا جيشا قوامه 30 ألفا من المجتمعات المتضررة في السودان وإثيوبيا للانتقام، في أعقاب هجوم شنه نحو ثمانية آلاف من قبيلة المورلي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
مخاوف حقيقية من اندلاع حرب بين الشمال والجنوب
مخاوف حقيقية من اندلاع حرب بين الشمال والجنوب
وبالغضافة إلى التحدي الهائل الذي يفرضه ذلك العنف، يعاني جنوب السودان أيضا من تلبية احتياجات ما يقدر بنحو 190 ألفا من اللاجئين من أبيي، وولاية النيل الأزرق، وجنوب كردفان، بالإضافة إلى التحديات التي يفرضها ما يزيد على 300 ألف من العائدين (مواطنون من السودان الجنوبي كانوا مقيمين في الشمال)، والذين لا توجد سوى صلة سطحية بين العديد منهم ببلدهم «الجديد».
وقد أعلنت الخرطوم مؤخرا أن هناك نحو 700 ألف مواطن من جنوب السودان يعيشون في الشمال ــ نحو 9 في المائة من سكان الجنوب الحاليين ـ وأنه سيتم اعتبارهم أجانب بدءا من أبريل (نيسان) 2012. ومما لا شك فيه أن عودتهم جميعا سوف تمثل أزمة اجتماعية منقطعة النظير.
ولكن تلك الأضرار الجانبية للنزاع، هي التي من المحتمل أن تثير كارثة المجاعة الأكثر فداحة، ففي الشمال، أسفر النزوح والنزاع عن تناقص في المحاصيل الزراعية بنسبة 40 في المائة في ولاية النيل الأزرق، ونحو 50 في المائة في جنوب كردفان، مما يترك نحو نصف مليون نسمة معرضين لانعدام الأمن الغذائي. الأمطار الغزيرة، النزوح، النزاع المستمر، ونحو 25 في المائة انخفاضا في محاصيل الحبوب، بالإضافة إلى انتشار فيروس خطير يصيب المواشي، كل هذا يعني أن هناك نحو ثلاثة ملايين من مواطني السودان الجنوبي سوف يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة خلال 2012. وبالفعل، أفادت الأمم المتحدة بأن هناك زيادة هائلة في حالات سوء التغذية والإصابة بالملاريا، وأن هناك نحو مليون مواطن يعانون من الانعدام الحاد للأمن الغذائي.
وقد ازدادت المشكلات في الشمال نظرا لاستمرار كراهية الحكومة للمنظمات الدولية غير الحكومية، ورفضها السماح بإنشاء ممرات مساعدة للمناطق المتأثرة بالنزاعات، وتتهم بعض الجماعات والحكومة الأميركية، حاليا الخرطوم باستخدام المجاعة سلاحا، وهو ما يعد من جرائم الحرب، كما أنه يضر بأشخاص مستضعفين بالفعل.

تضخم هائل


إن التضخم الغذائي في كلا البلدين هائل، حيث إنه يتراوح بين 19 في المائة في الشمال، ونحو 65 في المائة في الجنوب، وسيؤثر بضراوة على حياة المواطن السوداني، ويلقي بالعديد من الأسر إلى هاوية الفقر.
وفي ظل تلك الحاجة الماسة، ربما يتوقع المرء أن ينأى القادة بأنفسهم عن القتال، وأن يعطوا أولوية لحياة مواطنيهم المستضعفين. ولكنهم بدلا من ذلك، وفي منطقة رزحت وترزح تحت وطأة الحروب، والاختطاف، والنزوح، فإن تدمير المحاصيل والمساكن، والكراهية العميقة، وثقافة تحقيق نقطة على حساب الخصم، ما زالت تفاقم حالة عدم الاستقرار التي يعاني منها ملايين من الأشخاص الفقراء.
وقد يدفع التصريح الأخير الصادر من نظام جوبا، بوقف استخراج البترول كرد فعل على المزاعم بالسرقة من جانب الخرطوم، كلا البلدين إلى الحافة. جدير بالذكر، أن السودان الجنوبي يحصل على نحو 98 في المائة من عائدات العملة الأجنبية من البترول، وهو ما يعزز آفاق الانتحار الاقتصادي. وقد أخفق باستمرار المفاوضات المستمرة لعقد صفقة حول عائدات البترول، ويقع اللوم في ذلك على كلا البلدين، حيث يبدو أن كليهما عازم على السير معا نحو الحافة.
وبذلك، سيقضيان على حياة ما يقدر بنحو ستة ملايين سوداني في كارثة إنسانية يمكن تجنبها.
إنها كارثة ستكون وصمة عار في جبين الضمير الأخلاقي العالمي.

بعد رحيل مبارك.. ولاء الصحافة المصرية لمن؟

كتبها : ismail في

الصحافة المصرية بعد الثورة.. ماذا تغيّر؟دائما ما كان يتم ذكر حرية الصحافة بوصفها قضية مشروعة للاحتجاجات الشعبية ويحتفي بها من يحاولون الوصول إلى السلطة. وقد طالبت الثورة المصرية بتلك الحرية، ولكن هل تحسنت أحوال صحف القاهرة والمنابر الإعلامية في ظل حكم المجلس العسكري؟
الصحافة المصرية بعد الثورة.. ماذا تغيّر؟
خلال العام الماضي، وقبل عدة أيام من أعياد رأس السنة، وبعدما اندلعت موجة أخرى من أحداث الشغب الدموية في القاهرة في أعقاب الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، كانت الصفحة الأولى لإحدى الصحف المصرية مبهرة بشكل يضاهي الصحف الغربية. فبخلاف العنوان العريض باللون الأحمر «كاذبون» كانت هناك صورة كبيرة تظهر قوات الشرطة وهي تهجم على فتاة عزلاء.
الصورة تم التقاطها خلال اشتباك وقع بوسط مدينة القاهرة، حيث كان أحد رجال الشرطة يطأ بقدمه صدر فتاة شابة فيما يقوم آخران بتمزيق عباءتها السوداء كاشفين عن صدرية باللون الأزرق، وهو ما يعد أمرا ماسا بالكرامة الإنسانية في أي مكان بالعالم ولكنه أكثر فداحة في مثل ذلك المجتمع المتدين في مصر.
وعندما نزلت أعداد تلك الصحيفة إلى أكشاك البيع في صبيحة 18 ديسمبر (كانون الأول)، وقف عدد من المصريين القريبين من كشك التوزيع فاغرين أفواههم أمام تلك الصورة التي تحتل الصفحة الأولى. فهل كان جيشهم الموقر هو من شن مثل ذلك الهجوم بتلك الطريقة على امرأة؟ كانت الصحيفة المسؤولة عن تلك الصفحة الأولى هي صحيفة «التحرير» التي ظهرت بعد الثورة وأسسها الصحافي المصري المخضرم إبراهيم عيسى (صحافي معارض كان يكتب في العديد من الصحف التي تم إغلاقها على يد الرقابة الحكومية خلال السنوات الماضية). وبخلاف كونها لافتة، فإن قوة القصة تكمن في تحديها لأقوى مؤسسة في مصر: الجيش.
وفقا لسارة السرجاني، نائب رئيس تحرير صحيفة «ديلي نيوز إيجيبت» التي تصدر باللغة الإنجليزية، كان الجيش «دائما يمثل خطا أحمر» في مصر. فقبل الثورة، لم يكن من الممكن نشر أي مقالات تحمل رؤى سلبية حول الجيش. ولكن وفقا للسرجاني، تغير ذلك كله بعد سقوط حسني مبارك ووصول المجلس العسكري إلى السلطة فلم يعد بإمكان الصحافيين أن يكتبوا عن السياسة المصرية من دون الإشارة إلى الجيش. ومع ذلك، كان نعت صحيفة «التحرير» للجيش بالكاذب على صفحتها الرئيسية خطوة جريئة.
ولكن نشر مثل هذا الخبر على الصفحة الأولى لم يعن أي شيء فيما يتعلق بما يستطيع الصحافيون أو لا يستطيعون الكتابة حوله. فمن جهة أخرى، تقول شهيرة أمين، المذيعة بقناة «النيل للأخبار» التابعة لتلفزيون الدولة إنها عندما حاولت أن تقدم حلقة حول الفتاة ذات الصديرية الزرقاء، منعتها رئيستها، قائلة: «إن الوقت غير ملائم للحديث حول حريات الإنسان»، وفقا لما قالته شهيرة التي استقالت خلال ثورة العام الماضي احتجاجا على تغطية محطتها الضعيفة للأحداث. ثم عادت لاحقا للقناة قائلة إنه من الأفضل التعبير عن الاحتجاج داخل المؤسسة بدلا من الاحتجاج من خارجها.
وقالت شهيرة لـ«المجلة» إن وسائل الإعلام في مصر «قامت بذاتها بثورة» منذ سقوط حسني مبارك. وذكرت أمثلة فردية مثل يسري فودة، المذيع الشهير الذي قرر تعليق تقديم برنامجه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعدما منع مراقبو الجيش بث إحدى حلقات برنامجه على الهواء. ولكن شهيرة تقول إن الكثيرين من العاملين بوسائل الإعلام التابعة للدولة ما زالوا عبيدا للحكومة مضيفة أن صحيفة «الأهرام» واسعة الانتشار والتابعة للحكومة لطالما كانت «لسان حال النظام».
....إلا المجلس العسكري!
....إلا المجلس العسكري!
وكانت «الأهرام» محل تهكم وسخرية في أعقاب خلع مبارك، عندما أعلنت العناوين الرئيسية لصفحتها الأولى أن الشعب تمكن من الإطاحة بالنظام. وجاء ذلك بعد عدد متتال من المقالات التي كانت تقلل من شأن حركة الاحتجاج وترجعها إلى أجندات خارجية مغرضة.
وفي فبراير (شباط) يبدو أن الصحيفة عادت إلى أساليبها القديمة، حيث زعمت على صفحتها الأولى أن «التمويل الأميركي يستهدف نشر الفوضى في مصر». وكان المصدر في المقال هو اقتباس عن وزيرة التعاون الدولي، فايزة أبو النجا الذي جاء في محاكمة 16 عاملا أميركيا بالمنظمات غير الحكومية وعشرات غيرهم بتهمة إساءة استخدام التمويل الأجنبي.
وليس نفوذ الدولة في الصحافة المصرية بالشيء الجديد. فتتذكر سارة السرجاني أن صحيفة «ديلي نيوز إيجيبت» كانت تتوقع مكالمتين في الشهر من الرقابة حول المقالات الهجومية خلال نظام حسني مبارك. ولكن وفقا للصحافية لينا الورداني تمثل الرقابة الذاتية مشكلة كبرى بقدر ما يمثله التدخل الحكومي، حيث كان المحررون يتجنبون أي موضوعات حساسة يمكن أن تقودهم إلى قاعات التحقيق. وأضافت: «لقد حولت وسائل الإعلام الحكومية وبعض وسائل الإعلام ذات الملكية الخاصة ولاءاتها من حسني مبارك إلى المجلس العسكري. إذا ما نظرت إلى الصفحات الأولى، بدلا من: حسني مبارك قال ذلك أو ذاك، فإنه: المشير حسين طنطاوي قال ذلك أو ذاك».
تعمل الورداني في صحيفة «الأهرام الإلكترونية» التي تصدر باللغة الإنجليزية. وتعمل الصحيفتان وفق ميثاق تحريري مختلف تماما، نتاجا للحريات التي سمحت بها الحكومة المصرية للصحف الصادرة باللغة الإنجليزية. وهي سياسة تعتمد على أن الأغلبية العظمى من المصريين لا يستطيع قراءة الصحف الإنجليزية. ومع ذلك، لا تزال النسخ المطبوعة من الصحيفة الصادرة باللغة الإنجليزية تخضع لرقابة دقيقة، وهو ما يأتي كنتيجة لرقابة الحكومة على الصحافة المطبوعة بالإضافة إلى ما تطلق عليه السرجاني «التفكير العتيق».
ويعتقد بعض المهتمين أن الصحافة المصرية حققت مكاسبه إلى حد كبير من سقوط حسني مبارك العام الماضي. فقد قال سامي طايع، الأستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة إن الصحافيين لديهم الآن حرية أكبر. مضيفا: «أعتقد في بعض الأحيان أن المحررين ينشرون الإشاعات، فهم ينشرون القصص التي تخدم أجندات صحفهم ويعملون وفقا للمصالح الشخصية».
ومع ذلك ووفقا لسرجاني، فإن فكرة الحريات الأوسع للصحافة في أعقاب الثورة المصرية هي مجرد وهم. فتقول السرجاني، إن الصحافيين عالقون في عقد مع قادتهم العسكريين الجدد على طريقة «أوريل» حيث يسمح لهم «بأن يقولوا بعض الأشياء ما لم تمس أحد الخطوط الحمراء». وأضافت: «في رأيي، لقد أخفقنا كصحافيين بعد الثورة فقد كانت لدينا فرصة وكان بإمكاننا فرض واقع جديد فيما يتعلق بحرية الصحافة وإعادة تحديد ما يمكن الكتابة حوله وما لا نستطيع الكتابة حوله».
«تستطيع الإحساس بأن الأشياء تتحرك، من تغطية الانتخابات إلى اتجاه الآراء التي تم السماح بها. ولكن إذا قارنت ذلك بالمساحة الممنوحة للآراء التي تتبناها الدولة، ستجد أن الأصوات الجريئة ما زالت أقلية».

تركيا.. صراع أجيال أم صراع على السلطة؟

كتبها : ismail في

رجب طيب أردوغانتزايدت خلال الفترة الأخيرة مؤشرات تفيد بأن ثورة تركيا الهادئة بدأت في التهام أبنائها، عندما أسرعت الحكومة بتعديل قانون يطالب بمنع المحاكم من استجواب العاملين في وكالة الاستخبارات الوطنية، وهم حلفاء مقربون من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.
رجب طيب أردوغان
صوت البرلمان التركي على تمرير التعديل في السادس عشر من فبراير (شباط) بعد أسبوع من إصدار ممثلي الادعاء أمرا باستدعاء رئيس وكالة الاستخبارات الوطنية، حقان فيدان، كمشتبه به في إطار تحقيقات طويلة بشأن أعمال إرهابية.
وقال ممثلو الادعاء إنهم أرادوا أن يتحدثوا مع فيدان، المعين من قِبل رئيس الوزراء والصديق المقرب له، حول تهريب وكالة الاستخبارات عدد من الأشخاص على صلة بحزب العمال الكردستاني، الحزب الذي أشعل حربا ضد تركيا لمدة 30 عاما.
تقرير الشرطة الذي اعتمد عليه الادعاء ارتكز على المباحثات المكثفة التي جرت بين مسؤولين في وكالة الاستخبارات وحزب العمال الكردستاني حول إمكانية وقف إطلاق النار وهو الأمر الذي أثار الشبهات بأن الاستدعاء كان جزءا من خطة لتخريب عملية السلام التي يعتقد المتشددون أنها قدمت الكثير من التنازلات لصالح الأكراد.
ويصف سنغز قاندار، وهو محلل سياسي بارز، الاستدعاء بكونه «انقلابا قضائيا» ضد المحادثات التي ترعاها الحكومة مع حزب العمال الكردستاني والتي استمرت ثلاثة أعوام حتى 2011، ويقول: «إنه أمر مثير للضحك، فهل من المفترض أن تأخذ الحكومة إذنا من المحاكم قبل اتخاذ قراراتها السياسية؟ لقد بدأت الشرطة والمحاكم العمل في السياسة».
وفي الواقع، مارست كل من الشرطة والمحاكم التركية العمل في السياسة لأعوام. وتوضح قضية فيدان انهيار مساعي الحكومة للاتفاق مع أجهزة الدولة المختلفة في إطار مساعيها لإسقاط النظام القديم.
وعندما تولت حكومة حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002 لم يكن لديها حليف محتمل غير الشرطة، التي تظهر تعاطفا تقليديا مع السياسات المحافظة للحزب الإسلامي، إلا أن باقي أجهزة الدولة، والجيش والقضاء ووكالة الاستخبارات، كانت جميعها غير مطمئنة للحكومة.
والأكثر من ذلك أن تلك الأجهزة حاولت إسقاط الحكومة، كما تشير وثائق سرية تسربت عام 2006 إلى أن خططا عسكرية كانت قد وضعت لإسقاط الحكومة خلال عامي 2003 و2004 بينما حاول أحد ممثلي الادعاء العام البارزين إغلاق الحزب عام 2008.
ومع ذلك بدأت الحكومة بالتدريج، يعززها الفوز في الانتخابات، تغيير ميزان القوة لصالحها، حيث تخلصت وكالة الاستخبارات الوطنية من سيطرة الجيش. كما تم إغلاق محاكم أمن الدولة التي كانت تتعرض لانتقادات حادة لانتهاكها لحقوق الإنسان خلال التسعينيات.
وبعد مرور عام، أنشأت الحكومة محكمة ذات سلطات خاصة (محاكم السلطات الخاصة) والتي تتشابه إلى حد كبير مع محكمة أمن الدولة القديمة فيما عدا أنها لا تشتمل على القضاء العسكري.
عبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني.. قضية ما زالت تؤرق تركيا
عبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني.. قضية ما زالت تؤرق تركيا
وقد بدأ على الفور أحد ممثلي الادعاء البارزين الجدد والتابع للمحكمة الخاصة التحقيق مع اثنين من ضباط الجيش اللذين ضُبطا متلبسين أثناء إلقاء قنبلة يدوية على محل كردي لبيع الكتب. ويقول أورهان غازي أرتيكين، القاضي والمعلق البارز، إن ذلك كان بمثابة الضربة الأولى في الحرب على السلطة بين النخبة القديمة ونظيرتها الجديدة.
وقد أيدت الحكومة بدء ممثلي الادعاء في المحكمة الخاصة تحقيقات موسعة بشأن خطط الانقلاب المزعومة عام 2007 وذلك باستخدام قانون الإرهاب المبهم الجديد والذي انتقده مؤيدوه عندما قاموا بتشريعه عام 2006. وبعد مرور خمس سنوات تقريبا قُدم أكثر من مائة شخص بينهم عدد من الجنرالات السابقين للمحاكمة في إحدى محاكم أمن الدولة العليا خارج إسطنبول.
وتواصل الحكومة ومؤيدوها وصف التحقيقات بأنها محاولة لتطهير تركيا من الأشخاص الذين حولوا البلاد إلى ما هو أسوأ قليلا من دولة المافيا الرائجة إبان التسعينيات. ولوهلة نجد أن هناك سببا يجعلنا نصدقهم حيث إن الكثير من الأشخاص الذين اعتقلوا كانوا مجرد أفراد عصابات ونماذج استخباراتية غامضة عرفت بدورها الوحشي في محاولة قمع التمرد الكردي الذي كان يحميه في ذلك الوقت النظام القديم.
ومنذ البداية، كانت هناك أسئلة حول طريقة إجراء التحقيقات، حيث يصف الصحافي روزين كاكير كلا من الإعلام المؤيد للحكومة والشرطة والمحاكم بأنها تعمل معا كقاض ومحلف وجلاد حيث تسرب الشرطة دليلا للإدانة لوسائل الإعلام ثم يقوم ممثلو الادعاء بالقبض على المجرمين وتوجيه الاتهامات لهم ومن ثم تبدأ الأمور في الخروج عن السيطرة، ويمثل للاستجواب أشخاص لا علاقة لهم بالجريمة المنظمة، وقد أدى تحقيق ثان أجرته مجموعة أخرى من ممثلي الادعاء التابعين للمحكمة الخاصة إلى القبض على ألف كردي على الأقل بتهمة الصلة بحزب العمال الكردستاني، بينما يقول حزب كردي إن عدد المقبوض عليهم يفوق ستة آلاف.
حقان فيدان
حقان فيدان
ويقول أورهان غازي إن اتهامات الادعاء أصبحت بمثابة نص سياسي للنظام الجديد، حيث أصبح القضاء يلعب الدور الذي كان الجيش يقوم به في السابق وهو صياغة العمل السياسي. وقد خرج رؤساء حزب العدالة والتنمية بنفس الديباجة القديمة البائدة التي كررها الساسة الأتراك لعشرات السنين: «القضاء مستقل ولا يمكننا التدخل». ولكن لم يمنع ذلك الاستقلال من تنحية ممثل الادعاء الذي قام باستدعاء حقان فيدان عن القضية.
ولكن لا يزال علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان حزب العدالة والتنمية سيتحرك لتصحيح عدم التوازن القانوني والهيكلي الذي سمح للمحكمة والشرطة بالحصول على هذه الدرجة من القوة، إذ يقول كاتب العمود الصحافي كورسات بومين إن الوقت قد حان لإعادة صياغة شاملة للقوانين الجنائية التي تحدد سلطات المحكمة الخاصة حيث يصف تأسيس محاكم السلطة الخاصة بأنها مقطوعة مثالية من المكر الشرقي الذي يحتاج إلى الإبادة.
ويقول المتحدث باسم الحكومة حسين سيليك في حواره مع صحيفة «راديكال» اليومية في عدد السابع عشر من فبراير (شباط) إن حزب العدالة والتنمية لا يملك خططا فورية للتخلص من تلك المحاكم ويبدو أن الاستفادة الكبيرة من الوضع القائم تجعل الحكومة سعيدة في الوقت الحالي بإجراء إصلاح جزئي.

تردّد رئاسي قاتل

كتبها : ismail في

باراك أوباما
باراك أوباما
يروي الكاتب الشهير بوب ودورد في كتابه “حروب اوباما” ان الجنرال دايفيد بترايوس، بطل حرب العراق وآمر حرب افغانستان لاحقا ومدير “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي ايه) حاليا، امتعض عندما علم ان الرئيس باراك اوباما قرر تعزيز الوجود العسكري في افغانستان بعدد جنود اقل من ذلك الذي طلبه الجنرالات. وفي ذمة ودورد ان بترايوس قال بغضب عن اوباما وفريقه: “انهم يعبثون مع الشخص الخطأ”.
وينقل ودورد عن بترايوس قوله انه تسلم في ما بعد مذكرة من خمس صفحات، كتبها اوباما بنفسه، وتضمنت تفصيليا شروط “خطة زيادة القوات” في افغانستان. ويقول بترايوس: “لا يوجد رئيس في تاريخ الولايات المتحدة ممن أملوا مذكرة من خمس صفحات في حياته، هذا العمل يتقاضى العاملون في البيت الابيض اجرهم ليفعلونه”.
اوباما المحامي المتردد في قراراته، والمتدخل في تفاصيل يتعالى عنها الرؤساء، والمثير لغضب قادته العسكريين، هي الصورة التي يرسمها ودورد، وهي تنطبق على شخص الرئيس الاميركي في ادائه في افغانستان، التي فشلت فيها “خطة زيادة القوات” على عكس الخطة المشابهة التي أمر بها بوش للفوز بحرب العراق على الرغم من عاصفة الاعتراضات السياسية في وجهه في حينه.
كذلك انعكست رداءة آداء اوباما كقائد اقوى جيش في العالم اثناء مواجهة الليبيين الموت على يد حاكمهم معمر القذافي.
في حرب ليبيا، ظهر تردد اوباما القاتل منذ امر الرئيس الاميركي اركان إدارته بالجزم ان الولايات المتحدة لن تتدخل عسكريا لإنقاذ الليبيين من مذابح القذافي. هكذا، اطل وزير الدفاع السابق بوب غيتس في 2 مارس (آذار) الماضي ليحذر من عواقب اي تحرك عسكري في ليبيا ويصفه بالـ “العملية الكبيرة في بلد كبير”.
يقول العالمون ببواطن الامور في العاصمة الاميركية ان اوباما لم يوافق على المشاركة في الحرب في ليبيا الا بعد ان اقنعته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون شخصيا بذلك. ولكن حتى بعد دخول اميركا الحرب، رفض اوباما تسميتها حربا، ورفض الذهاب الى الكونغرس لاعلان الحرب، وحدد مدة التدخل الاميركي بأسبوع واحد، وقال كلمته الشهيرة، التي اصبحت في ما بعد مصدرا للتهكم، ان “الولايات المتحدة تقود (الحرب في ليبيا) من الصفوف الخلفية”.
الجنرال دايفيد بترايوس
الجنرال دايفيد بترايوس
قبل اسبوعين، اطل وزير الدفاع الحالي ليون بانيتا ورئيس الاركان مارتن ديمبسي ليحذران من قوة جهاز الدفاع الجوي السوري، ومن مغبة المشاركة في اي عمل عسكري لوقف آلة الموت التي يستخدمها الرئيس السوري بشار الاسد في قتل شعبه المطالب برحيله. طبعا يعلم المتابعون للشأن الشرق اوسطي ان القوة العسكرية السورية، الجوية او غيرها، هي اقرب الى الاضحوكة في ضعفها. لكن، ولأسباب سياسية، يجد البنتاغون نفسه مضطرا لتبرير موقف اوباما المتردد في وقف جنون الاسد، فيعمل على تضخيم قوة الاسد العسكرية ليحذر من مغبة اي تدخل.
تبريرات وزارة الدفاع (البنتاغون) الخاطئة، عبر تقديرات خبرائه ومسؤوليه، ليست مستجدة لا في ليبيا ولا في سورية. قبلها في منتصف التسعينات، برّر البنتاغون تردد الرئيس السابق بيل كلينتون في وقف مجازر الصرب بحق البوسنيين بالقول إن المشاركة في تلك الحرب كانت تتطلب 400 ألف عسكري لحفظ الامن، وهو ما ثبت خطأه.
ثم اخطأ البنتاغون مجددا عندما استخف في تقدير القوات المطلوبة لحفظ النظام في العراق بعد الاجتياح عام 2004، واخطأ في تقديرات افغانستان كذلك. كل الاخطاء سببها محاولات سياسية لتبرير مواقف الرؤساء المترددين.
اليوم في سورية، كما في البوسنة والعراق وافغانستان وليبيا، تخطئ واشنطن بسبب تردد رئيسها، وهذا ينبع من حسابات سياسية تناسب المشهد الاميركي ولكنها بعيدة عن ارض الواقع وعن ميادين الحروب.
في سورية، كما في حروب سبقتها، لا يؤدي تردد اوباما الرئاسي الا الى المزيد من القتل، وهو ما يجعل من موقف اوباما حول سورية بمثابة التردد الرئاسي القاتل.

هل يوجد هيتشنز عربي؟!

كتبها : ismail في

كرستوفر هيتشنز
كرستوفر هيتشنز
قضيت الأيام الماضية في قراءة كتاب الصحافي الشهير كرستوفر هيتشنز “هيتش 22″ وهو كتاب أقل ما يقال عنه أنه ممتع بحق.
لو لم يكن نفسي قصيرا في الكتابة لقمت على الفور بنشر قراءة مطولة عن الكتاب، ولكن الصحافي حسين عبدالحسين نشر في مدوّنته التي ينشرها هنا في المجلة مقالا جميلا عنه بعنوان “المثقف الشقي”، وهو ما حرضني لقراءة الكتاب.
ما أود الكتابة عنه هو هيتشنز نفسه الذي مثل حالة صحافية فريدة جدا. هيتشنز مثل طوال مشواره أحد أكبر مصادر قوة الصحافة، ولهذا السبب كان رحيله وهو في عز عطائه وتوهجه خسارة كبيرة لعالم الصحافة. قال أحد القراء إنه شعر بأنه خسر واحدا من أفراد عائلته.. ولا أظنه جانب الصواب.
بعد أن أنهيت الصفحة الأخيرة قلت في نفسي لماذا لا يكون لدينا هيتشنز عربي؟!. لا أعرف الاجابة على هذا السؤال ولكنني أعرف بعض نقاط القوة في هيتشنز الصالحة لتكون دروسا للصحافيين خصوصا الشباب منهم.
أهم نقاط القوة هذه أن هيتشنز جسور ومباشر وصادم وتشعر أنه يستطيع أن ينتقد أي أحد في أي وقت من دون اي اعتبارات ايديولوجية أو شخصية.
مثلا انتقاده للرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون- بطريقة عنيفة ووصفه بصفات قوية مثل المغتصب والكاذب لم يكن لأحد أن يجرؤ عليها.
عندما تقرأ كتاب هيتشنز عن كلنتون “لم يتبق أحد لتكذب عليه”، من الصعب ألا تقتنع بآرائه رغم حدتها . هيتشنز اليساري – الذي شن هجوما عنيفا على اليسار – لا يعطف أبدا على كلنتون ولكنه يستخدم نفس المخالب الحادة ليمزق من خلالها وزير الخارجية الأشهر – الجمهوري هنري كيسنجر – ويصفه بالشيطان ويطالب بمحاكمته.
في الكتاب يسخر هيتشنز من كيسنجر ويصفه بالجبان الذي لم يجرؤ على رفع قضية عليه لأنه يعرف ما ستجر عليه من ويلات. نفس الشيء قام به هيتشنز مع المهاتما غاندي والأم تريزا وغيرهما.. وياليته بقي على قيد الحياة حتى يقوم بتمزيق باراك أوباما.
لا يعني هذا أنني معارض لأوباما بل بت أضجر من تعامل الصحافة الرقيق معه على عكس من الرئيس جورج بوش التي سحقته بالكامل.
هيتش 22
هيتش 22
سواء تتفق مع هيتشنز أو لا فإن القارئ لا يقاوم شعور الاعجاب من قدرة هذا الكاتب على التنقل من اليمين إلى اليسار إلى الوسط من دون أن تفتر عزيمته أو تهزمه العلاقات الشخصية أو الميول الفكرية.
النقطة القوية الثانية التي لاحظتها في هيتشنز هو أن للرجل تاريخ طويل وعريض. فالكتاب من أوله إلى آخره قصص متتالية عن تغطياته ورحلاته ومقابلاته وذكرياته عن شخصيات مهمة عرفها، و حتى المواقف التي تعرض فيها للضرب أو الشتم. إذن الرجل صحافي حقيقي.. والصحافي الحقيقي يكون دائما وأبدا في قلب الأحداث ولا يبتعد عنها. وهذا النوع، للأسف، من الصحافيين قليل في عالمنا العربي حيث الكل يفضل أن يجلس في مكتب مكيف وينظر عن أعقد الاحداث وهو لم يقم مرة بزيارة لهذه المناطق التي يتكلم عنه. لكن هيتشنز يتكلم ليس فقط من خلال المعرفة التي يستقيها من الكتب، ولكنه يضيف إليها خبرة الواقع وهذه خبرة لا يستهان بها لأنها تجعل الصحافي والكاتب أكثر فهما للتفاصيل الدقيقة.
نقطة قوة أخرى أعجبتني وهي ثقافة هيتشنز المتينة الممتدة من السياسة الى الأدب الى الفلسفة فالتاريخ. جميل جدا أن يملك الصحافي كل هذا الثقافة الواسعة التي يوظفها لفهم القضايا من زوايا متعددة، وبالتالي يكتب عنها بطريقة خلاقة لم تخطر على بال القارئ من قبل.
هذه علة تعاني منها الصحافة العربية وهي قلة الكتاب الصحافيين المتمكنين من تناول القضايا المعقدة بأسلوب عميق واحترافي وجذاب. لا اقصد التنظير، فقد مللنا وضجرنا منه أشد الضجر، ولكن أقصد الكتابة الصحافية على أصولها.
ما بت ألاحظه هو العكس تماما، حيث بات من السهل أن تجد كاتبا يتضح من مقاله أنه لا يعرف اي شيء عن القضية التي يكتب عنها. مثلا الثورة السورية، بإمكاننا أن نكب 95 في المائة من الذي كتب عنها في الصحافة العربية في البحر من دون أن يصيبنا أي شعور بالذنب.
لا أريد أن أضجرك عزيزي القارئ ولكن هذه هي الخلاصة: جسور + نشيط + مثقف = صحفي ناجح. هذا هو الجنس الصحافي “الهتشنزي” الذي نأمل أن يتكاثر في عالمنا العربي.

ماذا تعرف أميركا عن برنامج إيران النووي؟

كتبها : ismail في

مخاوف حقيقية من ضربة أمريكية استباقية لإيران
مخاوف حقيقية من ضربة أمريكية استباقية لإيران
تقول إحدى الروايات الاميركية المتناقلة منذ حين ان الرئيس السابق جورج بوش طلب من مدير “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي ايه) السابق مايكل هايدن اعداد جلسة تقييم حول الملف النووي الايراني. أثناء الجلسة، اتضح ان واشنطن تعاني نقصا فادحا في المعلومات حول النشاط الايراني، مما دفع بوش، على غير عادته، بالتوجه غاضبا الى هايدن بالقول: “لا اريد ان يجد اي رئيس اميركي نفسه في وضع مجبر فيه على الاختيار بين توجيه ضربة عسكرية الى المنشآت النووية الايرانية، او تبني سياسة احتواء للتعايش مع ايران نووية”.
منذ ذلك الوقت، تبنت واشنطن خطة تقضي بتخصيص امكانات هائلة لجمع المعلومات الاستخباراتية الخاصة بإيران. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تحقيقا اشارت فيه الى انه تم انشاء مكتب مكلف جمع المعلومات حول ايران، بعدما كان الامر في يد “مكتب الشرق الادنى”. وتقول الصحيفة ان عدد العاملين في ما صار يعرف بـ “بيت بلاد فارس” ارتفع من عشرات الى مئات، وهو يتضمن محللي صور الاقمار الاصطناعية، وصور طائرات شبح التجسسية من دون طيار، التي تحطمت احداها في ديسمبر الماضي.
كما يتضمن العمل الاستخباراتي المخصص لنظام طهران عمليات تنصت على جميع الهواتف الايرانية، وعمليات اختراق لشبكة الانترنت، وحواسيب مؤسسات الدولة و”الحرس الثوري الايراني”، وعمليات تنسيق مع اجهزة استخبارات دول حليفة في المنطقة. كل هذه العمليات الاميركية، بحسب الصحيفة، ادت الى ازدياد هائل فيما تعرفه الولايات المتحدة حول تطور الملف النووي الايراني.
تحقيق الـ “واشنطن بوست”، المنسوب الى مسؤولين كبار في الادارة الاميركية، يعتبر ان القيادة في ايران لم تتخذ حتى الآن قرار صنع سلاح نووي، حسب المعلومات الاستخبارية الاميركية، وانه في حال قرر الايرانيون ذلك، فسيحتاجون الى سنة على الاقل، وهو ما يعطي الرئيس باراك اوباما متسعا من الوقت لتنفيذ ضربة عسكرية تعيق القرار وتؤخر صناعة السلاح النووي الايراني سنوات عديدة.
دانيال بليتكا
دانيال بليتكا
وجاء التحقيق بعد يومين فقط من مقالة للكاتب في الصحيفة نفسها، المعروف بقربه من ادارة اوباما، دايفيد اغناتيوس، اشار فيه الى ان اوباما حمّل رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان رسالة الى مرشد الثورة الايراني علي خامنئي، عرض عليه فيها موافقة المجتمع الدولي على استمرار عملية تخصيب ايران لليورانيوم من العيار الخفيف، حفظا لماء وجه النظام، وتخلي طهران عن التخصيب الى الدرجات العليا القابلة للتصنيع العسكري. في مقابل التعاون الايراني، يرفع المجتمع الدولي العقوبات ويبدأ انفتاحه على طهران.
لم تعجب “تسريبات” فريق اوباما الى صحيفة “واشنطن بوست” اليمين الاميركي المطالب بتوجيه ضربة على وجه السرعة الى ايران لمنعها من حيازة السلاح النووي، فوصفت نائبة رئيس مركز ابحاث “اميريكان انتربرايو انستيتيوت” اليمينية المحافظة دانيال بليتكا مقال الصحيفة بانه جزء “من حرب معلومات يشنها اوباما ضد.. اسرائيل”.
وقدمت بليتكا، في ايميل ارسلته الى عدد من المعنيين بالموضوع، عددا من النقاط هدفت من خلالها الى تفنيد وجهة نظر اوباما، واعتبرت ان ما تعرفه واشنطن عن منشآت ايران النووية يفيد بأنها تحت طبقات من الاسمنت المقوى، وانه ليس بوسع طائرات التجسس من دون طيار ومناظيرها العاملة بأشعة ما تحت الحمراء اختراق هذه الطبقات.
واضافت بليتكا ان التجسس على التيليفونات والفاكسات الاميركية لا يشي بالكثير، وانها على دراية بعمل شبكات العملاء المزدوجين، وان طهران بارعة في تضليل اميركا في هذا المضمار. ومما قالته بليتكا ان تاريخ “وكالة الاستخبارات المركزية” الاميركية مليء بالاخطاء، من ضمنها فشل الوكالة في التنبؤ بقيام الهند بتجارب نووية، وفشلها في كشف شبكة خان الباكستانية للمبيعات النووية الدولية، وفي كشف البرنامج النووي السوري، والعراقي، والكوري الشمالي، وفي فشلها في تنبؤ وقوع هجمات 11 سبتمبر، والثورة الايرانية، والربيع العربي.
واتهمت بليتكا ادارة اوباما باستخدام المعلومات الاستخباراتية لاهداف سياسية. بيد ان بليتكا اغفلت ذكر فشل الاستخبارات الاميركية في تقدير وجود اسلحة دمار شامل عراقية، ربما لان بليتكا وفريق من اليمين الاميركي استند الى المعلومات الاستخباراتية نفسها لشن الحرب في العراق، وهو ما يثبت نظرية بليتكا ان الاستناد الى تقارير الاستخبارات الاميركية علنا غالبا ما يكون ضمن حملة سياسية اكثر منها تشخيصا دقيقا للواقع على الارض.

قراءة إيرانية للقمة العربية

كتبها : ismail في

نوري المالكي يترأس وفد بلاده .. أي دور لإيران في عراق ما بعد القمة العربية؟
نوري المالكي يترأس وفد بلاده .. أي دور لإيران في عراق ما بعد القمة العربية؟
تحت عنوان: العراق تستضيف العرب، ضيافة على ضفاف دجلة ومضيف بلهجة كردية، كتب موقع الدبلوماسي الإيراني الشهير، صبيحة يوم انعقاد القمة العربية في بغداد، مقالاً مطولاً حاول فيه الكاتب تصوير العراق بالقوة القادمة في الدبلوماسية العربية و أن الحكومة العراقية الحالية قادرة على تشكيل كتلة عربية ضاربة في وجه السيطرة السعودية القطرية.
كما سعى الكاتب إلى إضافة صبغة قومية إلى القمة من خلال التركيز على القيادات الحالية في العراق ممثلة في رئيس الدولة العراقية جلال طالباني ووزير الخارجية هوشيار زيباري بوصفهما شخصيتان كرديتان وغير عربيتين ورغم ذلك فإن العراق سيتولى دفة القيادة للدبلوماسية العربية من العرب إلى الأكراد ولمدة عام كامل، مشيرا إلى أن هذا التغيير سيضيف الكثير إلى الصراعات العربية بخاصة أن العراق يتبنى وجهة نظر مختلفة عن السعودية وقطر في ما يتعلق بالأزمة السورية.
من جانب آخر، ركز الكاتب على ما يراه نجاحا كبيرا للعراق في استضافة وتنظيم القمة بعد أن تخلصت القيادة العراقية من الكتلة العراقية بقيادة طارق الهاشمي لاتهامه بالتخطيط لعمليات إرهابية.
من جانب آخر، تحدث كاتب المقال عن الأوضاع السياسية في البلد المضيف وتصورها بأنها على أفضل حال، حيث أكد بأن العرب لن يجرؤوا على التحدث عن أوضاع العراق الداخلية، مدعياً بأن أوراق عمل قمة بغداد مؤشر لمكانة عراقية أفضل مقارنة بالدول العربية الأخرى إذا ما تم مقارنتها بالأعوام الماضية حيث كانت الحالة العراقية إحدى المحاور الرئيسة في كل اللقاءات والتصريحات العربية، أما الآن فقد اصبحت العراق من الدول العربية التي تعمل على حل الأزمات العربية وقيادتها نحو تشكيل جبهة عربية قوية ومستقلة.
من هنا يتضح أن الكاتب أراد من هذه المقالة أن يرسم خطا جديدا للسياسة العربية من خلال دعمه للدولة التي تترأس الجامعة العربية في دورتها الحالية، العراق، هذا من جانب، ومحاولة ترسيخ فكرة مفادها أن ضعف السياسة العربية يكمن في تولي دول خليجية مثل السعودية وقطر للقيادة وأن بقية الدول العربية ليس لها أي مواقف تذكر بسبب اصطفافها سياسياً خلف هاتين الدولتين من جانب آخر.
مما لا شك فيه أن عودة العراق إلى الجامعة العربية كعضو فعال أمر يسعد الدول العربية قبل غيرها، ولكن لنتوقف للحظات عند هذا التطبيل الإيراني للنظام الجديد في بغداد ونحاول أن نبحث في أسبابه ودواعيه، فطهران لا تهرول عبثا إطلاقا. لا نحتاج إلى كثير من التفكير لفك شفرة هذه اللغة الإيرانية الجديدة تجاه العراق وتمجيده وهو العدو اللدود لطهران بالأمس القريب.
ما تود طهران الوصول إليه من خلال الحكومة العراقية الحالية وعلى رأسها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هو تشكيل تكتلات جديدة وانقسام عربي آخر، يصب في مجمله في صالح الجانب الإيراني.
كما أن التركيز على وجهة النظر العراقية حيال الأزمة السورية والتي تتوافق تماماً مع سياسة الجانب الإيراني، تؤكد ذلك تماماً.
جلال طالباني.. رئيس كردي يفتتح قمة عربية
جلال طالباني.. رئيس كردي يفتتح قمة عربية
في ظل الضغوط الداخلية والعالمية على النظام السوري، حليف إيران الأول في المنطقة العربية، تسعى طهران جاهدة ومن خلال النافذة العراقية إلى تحقيق هدفين رئيسيين، أحدهما تكوين تكتل عربي جديد مع التركيز على الأنظمة العربية الجديدة (ما بعد الربيع العربي) من أجل تخفيف الضغوط على النظام السوري ومساعدته في سحق المعارضة والخروج من الأزمة الحالية منتصراً خاصة وأن الخناق بدأ يضيق شيئاً فشيئاً والانشقاقات في صفوف الجيش السوري في تزايد ملحوظ، وثانيهما- في حالة فشلها في إنقاذ النظام السوري من الغرق- تشكيل حليف جديد كبديل للنظام السوري الحالي من أجل استمرار التوغل الإيراني في الداخل العربي.
لذا فإن هذه الرؤية الإيرانية وكيل المديح المبالغ فيه للحكومة العراقية وإيهامها بأنها الفارس القادم في السياسة العربية، هذا من جانب، وتجاهل المشاكل الأمنية التي تواجه العراق والتفجيرات المتلاحقة في بغداد ولعل آخرها الانفجار الذي حدث خلال انعقاد القمة أمام السفارة الإيرانية في بغداد، وتقديم صورة خادعة عن الأوضاع هناك، من جانب آخر، ليس حباً في العراق كما أنه غير مبني على قراءة حقيقية ومحايدة للوضع العراقي.
الواقع يقول إن طهران نجحت في التوغل بشكل كبير في الحكومة العراقية الحالية بخاصة بعد رحيل آخر جندي أمريكي عن الأراضي العراقية. فما هي إلا أيام قليلة بعد هذا الانسحاب حتى تم إسقاط أحد أهم قيادات الكتلة الوحيدة في حكومة نوري المالكي التي تعارض سياسة إيران في الداخل العراقي، وهي القائمة العراقية، حيث تم اتهام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بالتورط في أعمال إرهابية، الأمر الذي تتهم طهران بالوقوف خلفه. وهذا ليس بالمستبعد بخاصة أن طهران تسعى إلى الاستفادة من الحكومة العراقية الحالية قدر المستطاع واستخدامها كحصان طروادة للتوغل في الشأن العربي وخلق المزيد من الانقسامات في الصف العربي الهش نسبياً في الوقت الراهن، وبالتالي فإن تواجد شخصية كطارق الهاشمي في الحكومة العراقية قد يضر كثيرا بالمشروع الإيراني في العراق أولا والمنطقة العربية ثانياً.
ختاما، نقول إن العزف على وتر القومية الذي تتحسس منه إيران كثيرا في داخل حدودها لا يعني الكثير بالنسبة للدول العربية بل الأهم هو عودة العراق إلى الحضن العربي بأديانه ومذاهبه وعقائده وقومياته كافة.

هيثم المالح: أمامنا هدف واحد.. التفاوض على رحيل النظام

كتبها : ismail في

هيثم المالحدعا رئيس "جبهة العمل الوطني السورية"، الحقوقي هيثم المالح، المجتمع الدولي إلى التعامل مع النظام السوري على أساس كونه "عصابة تقوم بعمل إجرامي تجاه المدنيين العزل". وأكد المالح في حوار مع "المجلة" أنه "لا يمكن تنفيذ بنود خطة المبعوث الدولي والعربي، كوفي أنان، في ظل حكم عصابة تدمر القرى والأحياء، وتغتصب النساء وتشوه وتقتل الأطفال" مشددا على أن مواقف الدول الخليجية متقدمة وأنهم، بخاصة السعودية وقطر، حملوا أعباء الثورة السورية. وأضاف "مع الأسف الشديد المجتمع الدولي يخلط بين من يدافع عن نفسه بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وبين من يهاجمون بأسلحة ثقيلة وطائرات وبوارج حربية".
هيثم المالح
السادسة من صباح الخميس 12 أبريل الحالي، موعد وقف العنف في سوريا، هذا ما يسعى المبعوث الدولي والعربي، كوفي أنان للتوصل اليه من خلال النقاط التي طرحها على مجلس الأمن، الذي بدوره أصدر بياناً رئاسياً يدعم فيه خطة أنان للسلام في سوريا، ولكن ما أعقب البيان الرئاسي بيوم واحد، هو خروج عشرات الآلاف من السوريين في مظاهرات اطلقوا عليها اسم “جمعة من جهز غازيا فقد غزا” للمطالبة بتسليح الجيش السوري الحر، فيما تواصلت العمليات العسكرية والأمنية للقوات النظامية والاشتباكات مع منشقين في مناطق عدة من البلاد.
وأكد المالح أن خطة انان ستلقى “مصير المبادرات السابقة، وهو الفشل”، مضيفا أن “سبب الفشل معروف للجميع، وهو ان سلطة العصابة الحاكمة في سوريا، لن تلتزم ببنود الخطة، وسوف تستمر في القمع”.
وشدد على ضرورة تمسك المعارضة “بخيار تسليح الجيش الحر”، مشيرا الى أن “الخيار الوحيد أمام المعارضة بعد مضي عام على الثورة السورية، هو “التفاوض على رحيل النظام”، وفيما يلي نص الحوار:

فشل

* ما هي قراءتكم للنقاط التي وردت في البيان الرئاسي، قبل يومين في مجلس الأمن لخطة كوفي أنان المبعوث المشترك إلى سوريا؟
ـ السؤال حول هل النقاط هي مجرد عناوين، أم أنه يمكن تطبيقها على أرض الواقع، اي ما مدى امكانية تطبيق هذه النقاط، فنحن امام عصابة تحكم، وتقوم بعمل اجرامي من تدمير للقرى والأحياء واغتصاب النساء والأطفال وتشويههم. وفي ظل ما يجري لا يمكن ان نقبل بهذه النقاط، كيف يمكن لنا ان نفعل هذه النقاط في ظل حكم عصابة.
* ولكن هذه الخطة مدعومة من المجتمع الدولي، وتتوجه لطرفي الأزمة في سوريا، ومن بنودها دعوة المعارضة الى وقف عمالياتها تجاه جيش النظام؟
ـ اليوم عندما يخاطبون المعارضة بوقف العنف، هذا يعني انهم يساوون بين الضحية والجلاد، كما ان المعارضة هي معارضة سياسية، لا تمارس العنف وليس لديها سلاح، جل المعارضة موجودة في الخارج، وقسم منها في الداخل، من يتسلح هم الجنود المنشقون عن الجيش النظامي، والذين يدافعون عن المدنيين وعن أهلهم وذويهم وهو حق مشروع، أقر به مؤتمر أصدقاء سوريا الأخير في اسطنبول، الذي اعترف انه من حق المواطنين الدفاع عن انفسهم، اذا هؤلاء وباعتراف 38 دولة، يدافعون عن انفسهم ولا يقاتلون، من يهجم ويقتل هو العصابة الحاكمة التي تستعمل المدفعية وراجمات الصواريخ والدبابات والطائرات ومدافع الهاون، مع الاسف الشديد المجتمع الدولي يخلط بين من يدافع عن نفسه بأسلحة خفيفة وبين من يهاجمون بأسلحة ثقيلة وطائرات وبوارج حربية.
* المجلس الوطني لم يرفض الخطة، رغم النقاط التي تم الاعلان عنها؟ وكانت هناك ايضا دعوة من رياض ترك الى القبول بهذه الخطة؟
ـ المجلس الوطني لا يمثل كل المعارضة، هو طيف من أطياف المعارضة، ورياض الترك يتحدث عن رأيه ووجهة نظره في المسألة، وهو عبارة عن تكتيك سياسي، وفي الحقيقة لم اسمع سابقا صوتا للاستاذ رياض الترك بتأييد المبادرة العربية أو ما سمي البرتوكول، في الوقت الذي وافق عليه النظام لم أسمع رأيا لرياض الترك بدعم برتوكول الجامعة العربية، وكانت نفس بنود خطة كوفي انان لم يتغير في الأمر شيء، لماذا ندعم اذا مبادرة كوفي عنان؟
هيثم المالح وبرهان غليون
هيثم المالح وبرهان غليون
* أنت تحكم على فشل المبادرة حتى قبل بدئها؟
ـ أنا أعتقد أن مبادرة كوفي انان لن تنجح، وسوف تلحق بأخواتها من المبادرات العربية، وأنا أتحدث عن النتائج، ودعوة انان للمعارضة هو تجن على المقاومة، وتجن على من يحمل السلاح من اجل الدفاع عن اهله ونفسه، فحمل السلاح من اجل الدفاع، حق مشروع وفقا للقانون الدولي، ومؤتمر جنيف، وما حدث مؤخرا في مؤتمر اصدقاء سوريا في اسطنبول.
* اجتمع المجلس الوطني مع كوفي انان في اطار إعداد الأخير لخطته، المعارضة، هل نقلت إليه التحفظات التي تتحدث عنها؟
ـ علينا أن نسأل المجلس الوطني، وانا معارض وهذه وجهة نظري، بأن خطة عنان سوف تلقى مصير المبادرات الأخرى، وهي الفشل، وسبب الفشل معروف فإن سلطة العصابات الحاكمة في سوريا لن تلتزم ببنودها، وهي ستستمر في القتل والتدمير، لأنه ليس لديها لغة أخرى، فعندما يقتل هذا النظام اكثر من 12 الف مواطن سوري، وعندما يهجر مليون شخص من قراهم واحيائهم، وعندما يحشر اكثر من 200 الف شخص في المعتقلات، وعندما يقتل الاطفال والنساء وينتهك الأعراض والحرمات ويدمر الممتلكات، ماذا سيفعل بعد ذلك هل سيقول أريد أن اجلس للتفاوض؟
* ماذا دار بين المجلس الوطني والمبعوث المشترك؟
ـ في الواقع لا أعرف ما جرى تباحثه بين المكتب التنفيذي في المجلس الوطني وكوفي عنان في انقرة، ببساطة وعلى الرغم من أني كنت ضمن الوفد المقرر لقاء انان، إلا أنهم ذهبوا من دون علمي، ولم أحضر الاجتماع.
* ما احتمالية تراجع المعارضة عن موضوع التسليح؟ مع تزايد دعوات الحوار ووقف العنف من الجانبين؟
ـ الجيش الحر أخذ على عاتقه الدفاع عن المدنيين، والعديد من المعارضين يشاركونني الرأي بدعواتنا الى تسليح الجيش الحر حتى اسقاط النظام، لأنه ليست لدينا أي رؤية لسوريا المستقبل مع وجود بشار الأسد، لابد من اسقاط هذا النظام، وبعدها لكل حادث حديث.
* ما هي السيناريوهات المحتملة برأيك، في حال عدم التزام النظام ببنود الخطة وفق الجدول الزمني؟
ـ سيكون هناك خيار العودة الى مجلس الأمن، واتخاذ قرار يدين النظام السوري تحت البند السابع.

خطيئة

* لكن المعارضة الروسية ـ الصينية ستكون حاضرة في مجلس الأمن؟ وما امكانية فرض إرادة دولية خارج أروقة مجلس الأمن؟
ـ في حال إعادة روسيا والصين الكرة، واستعملتا حق الفيتو في مجلس الأمن، سيكون أمام المجتمع الدولي سحب ملف سوريا الى الأمم المتحدة مرة ثانية، وهناك قرار في الأمم المتحدة في المرات السابقة بإرسال الملف الى مجلس الأمن، فإذا أعيد الملف الى الأمم المتحدة، فإن الأمم المتحدة وبقرار الزامي، ستطرح القرار امام مجلس الأمن، اي سيكون قرار الأمم المتحدة قرارا الزاميا، يحل محل مجلس الأمن، وبالتالي لن يكون هناك حق النقض الفيتو، ولن يستعمل حق النقض في الأمم المتحدة، وسيصدر قرار الزامي، ولكن على كل الأحوال العنصر الأساسي هو ان الشعب السوري اتخذ خياره، ولن يعود الا بعد ان يسقط هذا النظام في مزبلة التاريخ.
* في المقابل روسيا ايضا اختارت خيار المضي في الدفاع عن النظام، فهناك تحرك روسي في مجال آخر، هناك دعوة الى المعارضة السورية للحوار مع النظام تحت المظلة الروسية. ما موقفكم مِمّن سيحضر هذا الحوار؟
ـ المعارضة التي ستحاور النظام السوري، لن تكون معارضة، وسوف تلحق بالنظام، الشارع السوري اصدر قراره، وأدان كل من يفاوض النظام، او يحاور النظام على بقائه، ان كان الحوار على الرحيل فهو معقول، اما الحوار مع النظام في ظل بقائه فمرفوض.
* هناك من يحمل المجلس الوطني جزءا من المسؤولية فيما يخص الموقف الروسي، ويعتبرون ان المجلس فشل في اقناع الروس بحماية مصالحهم في المنطقة؟
ـ لا أعرف حقيقة ما قدمه المجلس الوطني للروس، واعتقد أن المجلس الوطني كان اداؤه في الفترة السابقة ضعيفا، وليس بالمستوى المطلوب، وبالتأكيد ليس هذا هو السبب فقط، فإن الموقف الروسي الداعم للنظام في سوريا تتعلق بأسباب أخرى، والمسألة هي صراع نفوذ. الروس يدركون انهم إذا خسروا سوريا، فإنهم خسروا المنطقة برمتها، ويعتقدون ان النفوذ الغربي يصبح اكثر قريبا من حدودهم، على الحدود الايرانيةهنا، ونحن ليس لدينا شيء من خلاله نطمئن الروس، ما لدينا هو ان سوريا سوف تكون قوة مستقلة في قرارها عن الشرق وعن الغرب.
بشار الأسد
بشار الأسد
* هل ستخسر روسيا في سوريا؟
ـ أنا اعتقد أن العقلية التي تحكم روسيا ليست سياسية، فهم ورثة الحكم الستاليني والحكم الشوفيني الاستبادي والحكم الشيوعي، لاتزال عقولهم مشبعة بتلك الروح، وبالتالي لا يفهمون السياسة، هم وقعوا في خطيئة كبيرة في ليبيا حين أيدوا القذافي ضد الشعب، فانتهوا الى غير رجعة من ليبيا وخسروا السوق الليبية، وخلال لقائي السفير الروسي في القاهرة حذرتهم، وقلت لهم لا تقعوا في خطيئتكم التي وقعتم بها في ليبيا، حذرتهم بأنهم اذا فقدوا سوريا، سوف يفقدون الشرق الأوسط وليس سوريا وحدها.

صراع المحاور

* التحرك الدولي من الواضح أنه أصبح في مسارات تتقاطع فيما بينها، وانتج مجددا صراع المحاور، هل الثورة أصبحت أمام تحدي صراعات تجرى على حساب السوريين؟
ـ لا يوجد أحد مع النظام سوى روسيا والصين، وإذا لن تستخدم روسيا الفيتو، وبالتأكيد الصين ستلحق بها، والصين عادة تراجع مواقفها، فهي في النهاية بلد تجاري، وتهتم بالسوق التي تصدر اليها بضائعها، وهي على اختلاف مع روسيا بهذا الخصوص، فإن ثلث انتاج روسيا العسكري يذهب الى سوريا، وهناك قاعدتان عسكريتان روسيتان في سوريا، قاعدة في اللاذقية وأخرى في طرطوس.
* بماذا ترد على روسيا التي أكدت أنه من غير الممكن اسقاط النظام بقوة السلاح؟
ـ سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، الذي تكلم قبل شهرين من سقوط القذافي، قال ان القذافي يقتل شعبه لذلك فقد شرعيته، فيما في سوريا العصابة الحاكمة اسقطت حتى الآن 13 الف شهيد، وآلاف المفقودين، نحن لدينا الآن مليون لاجئ خارج البلاد، وعلى الرغم من ذلك يقول لافروف لا يسقط النظام بقوة السلاح، ونحن نطمئن لافروف اننا سنسقط هذا النظام بقوة السلاح.
* موقف إيران اثار تخوفات من دخول المنطقة في أتون حرب طائفية، الا يعتبر ذلك تحديا أمام تحقيق أهداف الثورة؟
ـ موقف إيران هو ليس للدفاع عن النظام، انما دفاع عن النفس، لأن ايران وظفت النظام السوري ليكون جسرا للعبور بينها وبين حزب الله، والوصول الى البحر المتوسط هذا من جهة، ومن جهة اخرى تحاول تفتيت الكتلة السنية الكبيرة في سوريا، من خلال الدعوة الى التشيع في سوريا، وايران لها مصالح باعتبار ان لديها مرجعية وولاية الفقيه، فالناس الذين يتشيعون في سوريا، يخضعون لولاية الفقيه في ايران، وبالتالي لا يخضعون للسيادة السورية، وايران تصدر التشيع عن طريق النظام السوري، والجوار من البلدان الأخرى.
* فيم ينحصر الدعم الإيراني لسوريا؟
ـ ايران تدعم النظام بكل الوسائل، سواء أكان عن طريق ارسال الخبراء، أم دعمهم للنظام بأجهزة الكترونية متقدمة، كما تدعم النظام اقتصاديا بالضغط على العراقيين من أجل ارسال دعم مادي الى النظام المفلس، والآن انخفض احتياطي النظام السوري من 13 مليارا الى 3 مليارات، بالتالي النظام اصبح مفلسا، ويعاني مشكلة اقتصادية كبيرة، ما أدى به الى بيع سندات الخزينة، والتي تفوق فى حجمها ما كان يملكه البنك المركزي السوري، وتشتري منها الصين وروسيا وايران، فالنظام بدأ ببيع سوريا.
* كيف تنظرون الى مواقف تركيا الأخيرة؟
ـ تركيا دولة ذات مصالح، ومن حيث النتيجة لا تخرج تركيا عن سياسة الاتحاد الأوروبي، وتحاول التناغم مع سياسة الاتحاد الاوروبي، واعتقد ان القيادة التركية تريد ازالة هذا النظام، لكن لديها حسابات خاصة بها، منها مشكلة حزب العمال الكردستاني، فالنظام السوري بدوره يريد استغلال قضية الاكراد في تركيا، خاصة ان هناك في داخل سوريا في مناطق جبل الاكراد، وجودا لقوات العمال الكردستاني، أي هناك لعب بالأوراق بين سوريا وتركيا، ولكن لا أظن أن هذه الأوراق ستنجح من حيث النتيجة.
* في ظل هذا الواقع إلى أي مدى تعولون على الموقف الخليجي من دعمكم لتسليح الجيش الحر؟
ـ مواقف الدول الخليجية متقدمة. فقد حمل الخليجيون أعباء الثورة السورية، وهنا أخص المملكة العربية السعودية ودولة قطر.. هم قيموا الموقف بشكل صحيح، فحتى الشهر الثامن من عمر الثورة كانت المظاهرات سلمية بشكل مطلق، وجوبهت بالرصاص من قبل السلطة، فهل نستمر بالتظاهرات السلمية، وهم يتمادون بقتلنا، هل هذا المنطق سليم، وهذا ما تفهمه الخليجيون؟!
المالح: الخليجيون حملوا أعباء الثورة السورية
المالح: الخليجيون حملوا أعباء الثورة السورية
* المواقف المتقدمة في الخليج، تقابلها مواقف متراخية لدول أوروبية تصدرت المشهد السوري بداية الثورة، وتضاف إليهم أميركا، ما تفسيركم لهذا التباين في الوتيرة؟
ـ الغرب مقبل على انتخابات، واجواء الانتخابات التي تشهدها فرنسا واميركا تتحكم في ذلك، اي أنهم منشغلون بالانتخابات اكثر من الشأن العام الدولي، أما في الخليج فليست هناك انتخابات قادمة، خط المواقف لم يتغير، وفي كل الأحوال فقد صرح وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه مؤخرا، بأن مهمة كوفي انان سوف تفشل.

إنجاز

* عقد مؤتمرين لأصدقاء الشعب السوري، وقريبا مؤتمر ثالث في باريس تحت نفس العنوان، كيف تقيم ما انجز من دعم للثورة خلال المؤتمرين السابقين؟
ـ اعتقد المؤتمر الأول الذي عقد في تونس بمثابة خطوة تمهيدية، والمؤتمر الثاني في اسطنبول، اكتسب اهمية من خلال ثلاث نقاط اساسية حسبت للمعارضة، النقطة الاولى هي الاعتراف بالمجلس الوطني السوري وله اهمية كبيرة، حيث تم خلاله اعطاء قسم من المعارضة صفة تمثيلة للشعب السوري، من خلاله يمكن ايصال صوت الشعب السوري الى المحافل الدولية، وبالتالي اعطاء قوة دفع للمجلس، بحيث تحفز الأطياف الأخرى من المعارضة السورية الى الانضمام الى المجلس الوطني.
أما النقطة الثانية فهو إعطاء الشرعية للشعب السوري للدفاع عن نفسه، والنقطة الثالثة وهي من أهم النقاط، تتمثل في دعوة الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، الى ضرورة اصدار قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع بخصوص سوريا.
* ماذا ستطرح المعارضة في مؤتمر باريس المزمع عقده قريبا؟
ـ في مؤتمر باريس وهو المؤتمر الثالث لأصدقاء سوريا، سيكون المؤتمر الحاسم، وعاملا اساسيا في اسقاط هذا النظام، اضافة لما يجري في الداخل السوري من ارادة الاستمرار في ثورة الشعب ضد هذا النظام والشعب السوري، وكسر حاجز الخوف الى غير رجعة، وسوف يستمر وأظهر عزمه على اسقاط هذا النظام.
* ماذا حققت المعارضة في الداخل؟
ـ أفقدت النظام شرعيته، فمن الناحية القانونية سقط، وفقد الشرعية، فهو بالاساس لم تكن لديه شرعية. هذا النظام جاء بانقلاب ولم يأت بانتخابات، وبشار الأسد جاء بتعديل الدستور خلال ربع ساعة، وفرض على الشعب من قبل العسكر، هذا نظام عسكري فاشي استبدادي، ومنذ أيام كانت هناك 636 نقطة تظاهر في سوريا تطالب باسقاط هذا النظام بالثورة التي بدأت بـ50 نقطة، واليوم نقاط التظاهر اصبحت تعم كل سوريا، بعد هذا لم يعد لهذا النظام شرعية، بعد ان قال الشعب كلمته وطالبه بالرحيل، يقول للنظام ارحل، سوريا كباقي دول العالم جزء من المجتمع الدولي، سوريا عضو في الأمم المتحدة، وهنا نقصد سوريا وليس النظام، النظام لم يعد يمثل البلد، بشار الاسد لم يعد يمثل سوريا، بالتالي من يمثل سوريا هو المعارضة، والتي أخذت شرعية التمثيل في مؤتمر اصدقاء سوريا في اسطنبول، وعلى المجتمع الدولي التدخل لحل المشكلة، وحل المشكلة هو ان يرحل هذا النظام والشعب يتولى امور البلد، فالشعب هو الذي يجب أن يقرر مصيره وليس النظام.
* إلى أي مدى المعارضة السورية محصنة لعدم تمرير أجندات أطراف إقليمية الى الداخل السوري؟
ـ ليس لدى المعارضة أجندات اقليمية، المعارضة معارضة وطنية، ولكن أن نستعين بالأصدقاء والجوار هذا امر طبيعي، طالما النظام غير قادر على أن يستجيب لمطالب الشعب.

لمّ الشمل

* هل نجحت المعارضة في مؤتمرها الأخير فعليا على توحيد صفوف المعارضة؟
ـ نعم بعض اطياف المعارضة انضمت للمجلس الوطني، فهناك مسألة مهمة كما ذكرت آنفا، إن اعتراف 83 دولة بالمجلس الوطني ممثلا، ولو كان ليس الوحيد، للشعب السوري، يعطي المجلس الوطني دفعا، وتم في هذا الاطار تشكيل لجنة تحضيرية من شخصيات تمثل المجلس الوطني السوري وقوى وتيارات معارضة اخرى بعدف اعادة هيكلة المجلس الوطني السوري، واعداد مشروع مسودة أو اكثر لتقديمها الى لقاء المعارضة الوطني خلال مدة اقصاها ثلاثة اسابيع.
* هل مازلت تنتقد المجلس؟
ـ هذا طبيعي، لأنه بالنسبة إلي اساس العمل هو الشفافية والتعاون والتشاور، وليس الانفراد بالرأي، واعتقد أن المجلس الوطني لا يمت للشفافية والديمقراطية بصلة، وهناك من هو في المجلس حتى الآن ينفرد بالقرار، والكثيرون يسكتون لمبررات اننا نحن في ثورة، وان هناك اولويات، وهذا الطرح غير صحيح، ففي السابق ايضا كنا نطرح دائما شعارا معروفا، وهو لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. اجلنا كل المعارك بما فيها معركة الجولان. وأنا أعتقد أنه لابد من الحديث عن الأخطاء، لابد من تصحيح المسار، لابد من تصحيح الحوار، لابد من الشفافية في العمل. ان لم ننجح في ذلك فبالتأكيد سنفشل كما فشل غيرنا.
* هل طرحت نفسك بديلا لبرهان غليون في رئاسة المجلس الوطني؟
ـ لا استطيع أن أطرح نفسي بين تكتلات هنا وهناك، وانا لم أطرح نفسي رئيسا للمجلس الوطني، بل بالعكس، انا دعمت برهان غليون على الرغم من اني لا اعتبره رجل مرحلة، لكن خوفا من التشتت دعمت التمديد لغليون، واعتقد ان المسألة مبنية في الاساس على توافقات، وليست مبنية على الانتخاب وهنا المشكلة، وانسحبت من المجلس لأني وجدت أن طريقي في المجلس غير معبد وغير سالك.
* هناك انتقادات بأن الاخوان يستأثرون بالمجلس الوطني ما صحة هذه الانتقادات؟
ـ أنا لا أعتقد ذلك، لأن هناك قوى عدة موجودة في المجلس غير فاعلة، المسألة مسألة تكتلات، فهناك إعلان دمشق، والحقيقة أنه ليس له شيء على الارض، ومع ذلك يعتبرونه تكتلا، وضمن اعلان دمشق هناك تكتلات أخرى، والاخوان المسلمون. الحقيقة هم الوحيدون الذين يمكن تسميتهم بالكتلة، لأنه تنظيم قديم ومعروف منذ اكثر من سبعين عاما، وهذه المجموعات التي تطلق على نفسها كتلا، هي تعتبر مكمن الخطر في المجلس.
* هل اقنعك انسحاب الأكراد من مؤتمر المعارضة في اسطنبول؟
ـ الإخوة الأكراد كانت لديهم مطالب تتعلق بتعهدات على المعارضة تقدمها لهم، وانا نقلت وجهة نظري للاكراد، ومفاده اننا في المعارضة جميعا تحت مسمى الثوار، وهناك ثوار على الأرض هم الذين يتظاهرون والمنشقون الذين يحمونهم، ونحن أي المعارضة الخارجية ثوار، لذا لا يستطيع أي طرف معارض منح الطرف الآخر اي شيء، من يعطي ويمنح مستقبل الدولة السورية بعد اسقاط النظام، وكلنا نسعى الى دولة ديمقراطية تعددية تصان فيها حقوق المواطنين بالتساوي.

* ما مدى تعويلكم على الجيش الحر؟
ـ الجيش الحر سيقوى، ونحن بجهودنا كمعارضة سنسعى لتسليح الجيش الحر، وسنقدم كل الدعم الممكن له، حتى نتمكن من اسقاط النظام، يعني لدينا نقاط عدة مهمة سنعتمد عليها الاولى: هو الاقتصاد المنهار بشكل كامل، والنقطة الأخرى والأساسية التي نعتمد عليها هو الجيش الحر، وأراهن أن عدد المنشقين للجيش الحر سيصل الى 100 ألف منشق عندها سيسقط النظام.
* ما الخيارات أمام المعارضة خلال المرحلة الراهنة؟
ـ الشعب السوري يواجه أبشع وأسوأ أنواع الأنظمة في العالم العربي، وهذا نتيجة ركود على نظام بوليسي ارهابي استبدادي، ورغم ان الشعب السوري تحرك في فترات متعددة وقمع. نحن فقدنا في الثمانينات آلاف الشهداء في سجني تمر ومزة العسكري، اذن كانت مرحلة في منتهى القسوة كان في السجون 50 الف معتقل، وكنت من بينهم، والعالم كله سكت عن هذه الجرائم، وتم التستر على جرائم حافظ الأسد، وانتهت الحقبة بدون محاسبة، الآن باعتبار الثورة عمت سوريا كلها، والشعب انتفض على مساحة الوطن، والاعلام فضح كل شيء، لم يعد بالامكان التستر على هذا النظام، وبالتالي الشعب يواجه اصعب انواع الأنظمة وهو عاري الصدر، حتى ان كان هناك بعض المسلحين من العسكريين المنشقين يحملون بعض الرشاشات فلا نقارنهم بآليات النظام الثقيلة. تصوروا ثلاثة آلاف دبابة تجوب شوارع المدن السورية، هذه حرب يشنها النظام على السوريين، اذن لا يوجد لدينا خيارات في ظل هذا الواقع، وهذه الصورة تنتفي معها إمكانية انهاء المشكلة سلميا، الشعب يريد حل المشكلة بتحقيق مطالبه في اسقاط النظام، الشعب لم يقدم هذه التضحيات من اجل أن يبقى بشار الأسد وزمرته يحكمون البلد، هذا مستحيل. وبالتالي الخيار الوحيد هو التفاوض على رحيل النظام.
* متى سيسقط النظام؟
ـ النظام سيسقط كما سقط الاتحاد السوفياتي، الذي لم يكن احد يتوقع سقوطه، وانهارت المنظومة السوفياتية مثل علبة الكرتون، والآن هذا النظام في داخله منهار، كما ينخر السوس الخشب، سينهار هذا النظام، وسيكون ذلك في القريب العاجل.

عبد الإله بن كيران.. ميكافيلي السياسة المغربية

كتبها : ismail في

لا يرتدي كثير من الإسلاميين ربطة العنق، لكنهم يلبسون البدل الأنيقة، ولا يمانعون في ارتداء بدل من (ماركات) عالمية رفيعة. كما أنهم لا يجدون حرجا في ابتياعها بأثمان غالية. أما السر في عدم ارتداء البدلة كاملة وتجريدها من ربطة العنق، فما زال غامضا، ولا يعرف كنهه. بيد أن هذه التكهنات لا تصمد، لأسباب عدة لا لزوم للخوض فيها. لكن إذا كانت ربطة العنق تحمل هذه الدلالات التي ذهب إليها بعض الناس، فلماذا ارتداها ابن كيران إذا، عندما قابل الملك محمد السادس، ونزعها بعد الخروج منه؟! طبعا هذا ليس من شأننا بكل تأكيد، فموضوعنا هو بن كيران نفسه. وربطة العنق قد تلقي ببعض ظلالها على هذا التناول. فهل تتغير المبادئ كما تتغير القمصان وربطات العنق. وهل الكرسي الوثير، وبذخ السلطة قادران على كبح جماح المبادئ ودفنها في ملفات النسيان؟ّ!
الاستقلاليون المغاربة رفعوا راية القلق عالية تجاه حزب “العدالة والتنمية” ورئيسه رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران، فقالوا إن “حزب العدالة والتنمية ينفرد بالقرارات، ورئيس الحكومة يتسرع في التصريحات، من دون أن يأخذ بعين الاعتبار أنه رئيس حكومة ائتلافية مكونة من أربعة أحزاب”. ومن هذه الأحزاب “الحركة الشعبية” و”التقدم والاشتراكية”، اللذان هما نفساهما ليسا على وفاق.
ما زال الوقت مبكرا للحكم على أداء عبد الاله ابن كيران وحكومته، لكننا نستطيع أن نتلقف ترنح عبد الاله بن كيران بين حنكة السياسيين وبراءة الطيبين، عندما وقع وسط حبائل مؤتمر دافوس الذي حضره باعتباره رئيسا لوزراء المغرب في يناير (كانون الثاني) الماضي.
فقد تسببت تصريحات على هامش هذا المؤتمر، نسبتها إذاعة (صوت إسرائيل) إلى رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران، ورئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، في بلبلة في كلا البلدين المغاربيين المغرب وتونس. فقد أوردت الإذاعة المذكورة في موقعها الإنترنتي كلاما لكلتا الشخصيتين. وركزت الإذاعة في الخصوص على علاقات إسرائيل بهذين البلدين. وقالت في هذا الصدد إن زعيم حزب النهضة الإسلامي التونسي راشد الغنوشي أبلغ مراسلا لها في دافوس (سويسرا) أن مستقبل علاقات بلاده مع إسرائيل يحكمه التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، وأشار موقع «عربيل» أيضا إلى أن رئيس الوزراء المغربي بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي عبر عن موقف مماثل، وأضاف الخبر يقول: «قال الاثنان لمراسل (صوت إسرائيل) في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في دافوس بسويسرا إن على الفلسطينيين أن يقرروا بأنفسهم طبيعة علاقاتهم مع إسرائيل. وأكدا أن الحركات الإسلامية ستتصرف بموجب القرار الفلسطيني”.

دين ودنيا

ولد عبد الإله بنكيران في الرباط عام 1954 وقضى طفولته فيها.
وعلى الرغم من أن أباه يتحدر من عائلة صوفية إلا أن عبد الإله اختار الفيزياء بدل علوم الدين مبتعدا عن مجالي أسرته الديني والتجاري، حيث كانت اسرته تعمل بالتجارة.
كان أبوه يصر على تعليمه القرآن منذ الصغر في المرحلة الأساسية. وعلى الرغم من نشأته الدينية، إلا أنه درس الفيزياء حتى أصبح استاذا فيها.
ويقال إن من فتح عيونه على أوضاع مجتمعه هي والدته التي كانت شغوفة بحزب الاستقلال المغربي وحريصة على حضور تجمعاته الجماهيرية. وربما كان لهذا تأثيره على شخصية ابن كيران، حيث شغل حزب الاستقلال حيزا من حياته السياسية. إضافة إلى اهتمامه بأحزاب أخرى على رأسها الاتحاد الوطني المغربي للقوات الشعبية، وهو حزب كان قد انشق عن حزب الاستقلال عام 1959، والذي كان على رأس مؤسسيه المهدي بن بركة.
كان قياديا بارزا في حركة الشبيبة الإسلامية المغربية (المحظورة) إثر انضمامه لها عام 1976. ولكن ما أن بدأت الحركة في لقاءاتها السرية في حي «بلفدير» بالدار البيضاء، حتى غادرها مع مجموعة من الشباب. وبذلك سلم من الاعتقالات التي طالت أعضاء هذه الحركة عام 1983.
لكنه بعد ثلاث سنوات من خروجه من الشبيبة اختير قائدا للجماعة الإسلامية المغربية عام 1986 وتمكن بعد 8 سنوات من العمل فيها من الخروج العلني وطرح برنامجه على الشارع المغربي، بعد أن كان يعمل في الخفاء، ولكن تحت اسم جديد هو (حركة الإصلاح والتجديد)
وقد شهدت الحركة صراعا كبيرا وخاصة من لجنتها التنفيذية، على نوعية نظام الحكم في المغرب، مما حدا بابن كيران إلى تقديم استقالته، لوقوف اللجنة التنفيذية ضد تصوراته، لكنها رضخت لهذه التصورات في نهاية الأمر.
ولكي يتسنى له ممارسة العمل السياسي علنا أسس (حزب التجديد الوطني) لكن السلطات لم ترخص له، فلجأ إلى صديقه عبد الكريم الخطيب ليضوي الحركة تحت لواء حزبه الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، ومن هذه الحركة تولد (حزب العدالة والتنمية) الذي ساق ابن كيران للتربع على رئاسة الوزراء في المملكة المغربية.

خصوم ومريدون

يقول خصومه إن ابن كيران مهادن للسلطة وأنه يمكنه أن يقدم تنازلات تمس ثوابت حزبه في سبيل الحفاظ على السلطة، وتحقيق مكاسب انتظرها طويلا ولا يمكن التفريط فيها، فهذا من طبيعة الحركات الإسلامية ويمكن ملاحظته من تاريخها الطويل في العديد من البلدان العربية، ولن تكون المغرب هي الاستثناء، مدللين على ذلك بالتجربتين المصرية والسودانية في تقديم التنازلات في سبيل المصلحة الحزبية، والأولى اختارت المهادنة طوال عهدي عبد الناصر والسادات حتى خرجت من عباءتها الحركات التكفيرية، وأخيرا القاعدة، والثانية تماهت مع سلطة النميري حتى بايعته إماما للمسلمين وأخيرا قبرت التجربة الديمقراطية بتحالفها مع العسكر.

ويضيفون أن مرونته خالفت كافة تجارب الأحزاب الدينية في المغرب، والتي كانت مصادمة طوال تاريخها ترفض المنهج الميكافيلي، الذي كان منهج ابن كيران بامتياز. لكنه يبدو أنه الآن يحن إليه ثانية.
من جانب آخر، يقول مريدوه إنه معتدل في سياسته ومراوغ ماهر بحكم مهنتة السابقة في تدريس مادة الفيزياء بمدرسة الأساتذة العليا في الرباط، حيث أدرك أن مكونات السياسة يمكن التحكم فيها من خلال معادلات محسوبة مثلها مثل الفيزياء.
ويشيرون إلى صدق حدسه في انفكاكه المبكر من فكر الزعيم الإسلامي الراديكالي عبد الكريم مطيع، وانه تقرب من القصر واستطاع أن يقنع السلطة بأن تترك صناديق الاقتراع تقول كلمتها وتسلم الإسلاميين الحكومة، لأنه طوق النجاة من موجة الربيع العربي القادرة على الوصول إلى شواطئ المغرب.
واستطاع أن يعطي اشارات للداخل والخارج لطمأنة الجميع، وقال إن حزبه لم يأت لفرض الحجاب على المغربيات أو لإقفال محلات بيع الخمور، بل جاء ليعالج مشكلات أخرى كبيرة يرقد في تفاصيلها الاقتصاد والمشكلات الاجتماعية، ووضع البلد بين أمم العالم.
إنها آمال وتطلعات كبرى، كان ابن كيران يطمح إليها. بيد أن وظيفته تفرض عليه اليوم أن يكون رجل توافقات في ظل حكومته الائتلافية هذه، لكنه نجح من دون شك في الاختبار الأول، وذلك أنه استطاع أن يوافق إلى حد بعيد بين التقارب مع الملك وبين كسب أصوات جزء مهم من الشارع. وفي واحد من أحاديثه للصحافة قال بن كيران “الحزب فضل أن لا يغامر باستقرار المغرب والخروج إلى الشارع ومال إلى قاعدة ذهبية تبنى على الحفاظ على الاستقرار والملكية والمطالبة القوية بالإصلاح”. فهل سيحقق ابن كيران طموحات ناخبيه وآمالهم، أم أن بذخ السلطة سيجرفه كما جرف كثيرين قبله؟

;